في مسعى دؤوب لتحقيق التقدم العلمي في هذا العصر الذي يتقدم فيه العلم والطب بخطى سريعة يظل هناك جانب مظلم لا يمكننا رؤيته، ولكنه يهدد الصحة بصورة كبيرة، يحاصرنا بالقلق والخوف ويخيم على مستقبلنا الصحي، ويتمثل هذا الخوف في عودة مسببات الأمراض المقاومة للأدوية مثل السلالات البكتيرية متعددة المقاومة والفطريات والطفيليات، هذا القلق الذي يدور في عقولنا جعل العلماء في ضرورة ملحة للبحث في أدق الجزيئات للوصول إلى حلول جذرية بهدف الحصول على مركبات جديدة فعالة ضد الميكروبات أو استدامة الدراسات والتعديل على تلك المواد المتاحة لمنع انتشار الأمراض وحماية البشرية من تهديدات لا يمكنها رؤيتها بالعين المجردة، وتعتبر تكنولوجيا النانو حلا مبتكرا حيث تسمح بتعديل الخصائص الرئيسية للمواد، بما في ذلك الجسيمات النانوية المعدنية التي يتم الحصول عليها بطرق متعددة، ومن بين أفضل هذه الطرق يعتبر التركيب البيولوجي أفضل الطرق الموثوق بها في تصنيع الجسيمات النانوية المعدنية بالإضافة إلى اعتبار هذه الطريقة صديقًة للبيئة مقارنة بالطرق الكيميائية والفيزيائية الأخرى، مما يجعلها خيارًا مثيرًا للاهتمام في مجال البحث والتطوير في مجال النانو تكنولوجيا والطب والصناعة.
تعتبر الفضة من أهم هذه المواد الفعالة المعروفة منذ آلاف السنين أثبتت فعاليتها في مكافحة التهابات الحروق، والتهابات العظام، والتهابات المسالك البولية، والتهابات القسطرة الوريدية المركزية، وفي الآونة الأخيرة اتسمت جزيئات النانو فضة بنشاطها الفعال المضاد للميكروبات حيث أصبحت المواد المضادة للميكروبات المبنية على الفضة خيارًا شائعًا، وتعمل الدراسات الحالية على فهمها بشكل أدق وكيفية عملها وسميتها ، مما يجعلها أداة قوية في معركتنا المستمرة ضد الأمراض المقاومة للأدوية.
تأثير جزيئات الفضة النانوية على سلوك ونمو البكتيريا
جزيئات صغيرة تحمل تأثيرا كبيرة، فقد لا تكون أيونات الفضة قادرة على تحطيم كافة أنواع البكتيريا، إلا أنها تستطيع بالفعل تحقيق نتائج مذهلة في التخلص من أنواع عديدة من البكتيريا، ومع استمرار البحث والابتكار من المتوقع أن تظل جزيئات الفضة النانونية في الصفوف الأمامية لمكافحة العدوى والأمراض، مما يجعلها من أنسب وأفضل الحلول للتحديات الصحية التي نواجهها، حيث أظهرت نتائج العديد من الأبحاث العلمية أن جسيمات الفضة النانونية ذات الأحجام المتوسطة 16 نانومتر كانت سامة للخلايا تمامًا بالنسبة للإشريكية القولونية بتركيز منخفض (60 ملجم مل -1 ) وكان من الملاحظ أن جزيئات الفضة النانوية تلتصق تماما بجدار الخلية وتم العثور عليها داخل البكتيريا، وفي دراسة أخرى تم إنتاج جسيمات الفضة بواسطة فطر معين، ووُجد أنها كانت أيضًا سامة للبكتيريا وأدت إلى تمزيق غشاء الخلية البكتيرية بشكل أسرع، ودراسة أخرى أظهرت جسيمات الفضة ذات حجم حوالي 20 نانومتر تأثيرًا سامًا على خلايا الإشريكية القولونية، وأظهر تحليل TEM تمزقًا كاملاً لغشاء الخلية البكتيرية بعد وقت قصير من تعرضها لجسيمات الفضة النانوية، كل هذه الاختبارات والنتائج تشير إلى مدى فعالية جزيئات الفضة النانوية وفقا للمساحة السطحية الكبيرة التي تسمح بتفاعلات أكبر مع البكتيريا، ويتمثل تأثير أيونات الفضة على البكتيريا في:
- تدمير الهيكل الخلوي للبكتيريا: من خلال تفاعل أيونات الفضة مع البروتينات( بنية الخلية البكتيرية) داخل البكتيريا مما يؤدي إلى تلفها وتعطيل وظائفها مما يحد من نموها وانتشارها.
- إيقاف عملية التنفس داخل البكتيريا: حيث تقوم أيونات الفضة بتعطيل نقل الإلكترون داخل البكتيريا مما يؤدي إلى تعطيل وظيفة الغشاء الخلوي مما يقلل من قدرتها على إنتاج الطاقة وفي النهاية يؤدي إلى موتها.
- تلف للحمض النووي: حيث تتسبب أيونات الفضة بشكل كبير في تلف الحمض النووي للبكتيريا مما يحجم قدرتها على الانتشار والتكاثر بسبب التغيرات التي تحدثها في تركيب الخلية نفسها.
- تغيرات كبيرة في هيكل خلية البكتيريا: حيث تتسبب أيونات الفضة في تغييرات ملحوظة في هيكل الخلية البكتيرية يتمثل في انفصال غشاء السيتوبلازم عن جدران الخلايا.
جزيئات الفضة النانوية وأيونات الفضة في مواجهة البكتيريا الضارة
وما زال العلماء يواصلون أبحاثهم الدقيقة المستمرة في فهم آليات مقاومة الفضة بدقة أكبر على المستوى الجزيئي، بهدف التعرف على الجينات والبروتينات المسؤولة عن هذه العملية ومدى استجابة البكتيريا لكل من أيونات الفضة وجزيئات النانو فضة في تطوير استراتيجيات جديدة لمكافحة البكتيريا المقاومة للفضة وتحسين فهمنا لكيفية استخدام الفضة بشكل فعال كعامل مضاد للبكتيريا، فالاختلاف الرئيسي بين جزيئات الفضة النانوية وأيونات الفضة يكمن في فعاليتها ضد البكتيريا على النحو التالي:
- حيث أظهرت دراسة دقيقة لفريق من الباحثين أن تأثير جسيمات الفضة النانوية يختلف عن تأثير أيونات الفضة بشكل كبير والتي تكون بتركيزات نانومترية في حالة الجسيمات النانوية وفي نطاقات الميكرومولار في حالة أيونات الفضة.
- أظهر التحليل البروتيني أن حتى التعرض القصير لجسيمات الفضة النانوية لخلايا الإشريكية القولونية أدى إلى تغييرات في التعبير عن بروتينات الغلاف والصدمة الحرارية، وتسبب جسيمات الفضة النانوية في تعطيل الخلايا البكتيرية بشكل كبير، حيث تسببت في خسارة هائلة للبوتاسيوم داخل الخلايا وخفض مستويات ATP، مما يؤدي إلى فقدان قدرة الخلية على البقاء
- أما بالنسبة للمقاومة المحتملة لأيونات الفضة فيعتبر استخدام الفضة كمطهر موضوعًا هامًا، لكن يمكن أن تزيد استخداماتها المتزايدة من المقاومة لها في الكائنات الحية الدقيقة وعلى سبيل المثال فهناك آليات مختلفة لمقاومة الفضة تم العمل على دراستها بشكل دقيق على المستوى الجزيئي وتم ملاحظت أن السالمونيلا المعوية لديها آليات لمقاومة أيونات الفضة، ويتم التحكم فيها من خلال جينات معينة على البلازميدات.